البدايات .. بقلم / محمد عابدين

راهن الجميع علي وصولي للجزيره البعيده التي يحكون عنها , نقوم بالرحلات احيانا اكثر من خمس مرات يوميا واحيانا اخري نظل مستقرين  مستسلمين للبروده التي تحيط بنا .

. الا ان في بعض الاحيان يصيب احدنا الجنون فينطلق عبر الوادي مستسلما لحلمه في بلوغ الجزيره حيث الدفء والشعور بالامان .

من الاساطير التي تروي كثيرا ان تلك الجزيره بها بحارا من السكر و أن بها من يشبهنا ولكن يختلف عنا فنحن مقابل لهم .. فاذ التقينا عشنا سويا احدنا يدفئ الاخر حتي ننتهي .

. اعلم اننا سنواجه الرحله اليوم .. سنجري حتي تخور قوانا .. متتبعين زياده الحراره .

زادت سخونة الجو المحيط .. نشعر بانقباضات مثيره وكأن المكان يزيد رطوبه ويقل حجما واتساعا .. كانه يريد ان يرمينا خارجه .. يتخلص منا .

كنت اجهز حالي منذ الصباح اتمرن علي العدو بسرعه , علي السباحه مع التيار , مقاومه ان يسحبني الموج الهادئ في حاله الجذر ,احاول ان ابعد عن راسي فكره الموت علي شواطئ جزيره الاحلام .

حانت اللحظه

.. لقد لمسته اشعر بذلك الاحساس

. بأن هناك من يريدني ان اخرج .. ان انطلق .

اسمع بعض الاصوات .. صوت حاد وناعم  يقول اريده .. اريده داخلي .. هل يريدني هذا الصوت ؟ هل ينادي علي ؟!

استطيع الشعور اني بدات في السير .. فلارتفاع اعدادنا و معرفتنا ان عددا قليلا فقط هو الذي سيصل .. نبدأ في تعطيل بعضنا .. نسير بصوره بطيئه يحاول كل من ان ينتهز الفرصه ليصل الي بوابات النعيم . .

انا الان ما زلت داخل بيتي  اتمسك بتلك الاشياء الكرويه المدلاه من السماء حتي اذا حانت اللحظه اطلقت نفسي وسرت باقصي سرعه

تهتز الكريات اهتزازات قويه وسريعه متماشيه مع الاصوات المنغمه التي لا اعرف مصدرها .. كلما زادت القوه في الاهتزاز زادت حده الاصوات كانها لحن موسيقي خلق لكي يجسد رحلتي

تتزايد  الاصوات بشكل هائج متعب مجنون  يصبح الجو المحيط كبحر هادر تلطش امواجه كل ما تراه.

ترتفع درجه الحراره بشكل ملحوظ  اترك نفسي اسير بقوه جنونيه .. امد نفسي اكتم انفاسي حتي احافظ علي سرعتي .. اري اضاءات تأتي وتذهب في نهايه الوادي .. قاربت علي الوصول .. ادركت ان كلما اختفي الضوء اندفعت المياه الي الداخل لتطيح باحدنا الي مكانه وتضيع حلمه في الوصول .. كنت اراقب الضوء واتخذ المكان الذي يتيح لي الصمود .. قررت ان اصل .. قررت ان اكتشف صحه الاساطير .

ازداد الضوء اقترابا  .. اشعر بضغطات وقبضات  وكأن هناك من ينتقم مني لبلوغي هذا الحد .

يصل الي الصوت نغمه واحده طويله حاده كانها تري ما اراه كأن الصوت يشعر بما يدور في نفسي من خوف ورهبه .. احن الي معرفه السر وراء هذا الصوت !

تصل الانقباضات الي اقصي حد ممكن ان اتحمله .. اترك نفسي للسباحه مع التيار لا احمل اي قوه للمقاومه .. ارتخي .. اتقبل مصيري انظر للوراء مودعا وسطي البارد اودع صحبتي .. هل سانجح في الوصول .. واذا وصلت هل اجد هناك من وصلوا من قبلي  في انتظاري فرحين بقدومي .. هل ساجد السعاده في ذلك المكان البعيد ؟؟!

فجأه يضيق المكان من حولي يتسرب الضوء مغشيا علي كل شئ .. اسمع صوتا قويا كانه صوت انفجار يخرج من هوه عميقه .. يخرج اصحابي بالملايين مندفعين الي الخارج .. ها انا ذا .. خطوه .. ثم خطوه .. ثم لفحني شئ بارد عرفت بعد خمس سنوات انه يسمي الهواء .

تعلقت عند مخرج الوادي اردت ان اري الجزيره قبل ان اطأها ..  وجدت اخوتي امام عيني متكومين علي بعضهم لا يتحركون وكان الرحله قد انهت عليهم .. اسمع نفس الصوت  ولكنه كان عباره عن تقطعات  صغيره تعبر عن مدي الارهاق والتعب .. اني متاكد بان هذا الصوت يمثلني .

انا علي  قمه شئ طويل ومدبب يشبه كثيرا الانابيب التي كنت اسبح حولها في منزلي . ولكنه اكبر واصخم .. هناك اشياء سوداء كثيفه وغير متساويه علق بها كثير من اصدقائي .. كانوا يبكون ويصرخون طلبا في النجاه ..   بحثت بنظري عن الجزيره وجدتها جميله الشكل تقع في  مكان يبدو شديد الدف

يقول الصوت في رقه و الم :انت جبتهم علي جسمي كلها ؟

ومدت شيئا كبيرا  به  كثير من الاطراف  واخترقت بها وجود اخوتي ..  ووزعتهم  علي هذا الكيان الغامض  تمتلك شيئان كبيران يمسكهما الاخر باطرافه الكثيره  .

اسمع ذلك الصوت القوي يقول : ما ارديتش اجيبهم جواكي .. مع اني كان نفسي

قال الصوت الاخر : طب يلا  نيكني تاني .. جبهم جوايا .

وقامت بمد اطرافها وامسكت ما كنت اظنه وادي اعيش فيه .. انتايني الذعر والرعب .. لكنها مدتهم الي اخره بعيدا عني بالقدر الكافي  كانها تكتشف ماهو هذا الشئ , الوادي , زبرك

كما كانت تقول  .

انها تشبهنى !

لمست اطرافها شيئا كرويا معلقا  اسفل الوادي .. هل هذا هو ما كنت اتعلق به لايام ؟

يلا كسي عايزك

وتسحب بيدها عالمي القديم وانا متعلقا علي بدايته

كسك حلو اوي ..

عايز ما ابطلش انيكه ويوجهني الي الجزيره التي عرفت في لحظاتي الاخيره انها تسمي : كس

استعددت اغمضت عيني وكتمت انفاسي و غرقت في عالم من الدفء لم اشعر به من قبل .

كل شئ ناعم مثير وجديد ..  اري الضوء من بعيد .. اسير دون ان اتعب هناك ما يدفعني أو بمعني اصح يمتصني  .. يبتلعني .

لم اري راحه مثل هذه من قبل  !

استسلمت وتركت نفسي لاري النهايه .

كانت مشعه الي درجه لم احتملها احسست اني لا استطيع احتمال كل هذه الحراراه .

كانت اجمل شئ رأيته في حياتي , مختلفه , وجميله .. لقد ابتكرت كلمه جديده عندما رايتها : حنينه

هذا ما شعرت به عندما رايت نصفي المنتظر علي الجزيره , تقدمت ووصلت اليها واقتحمتها فباغتتني باحتضانها لي كأنها كانت تنتظرني منذ ادركت وجودها .