ينطلق فى محراب جسد
من أن هناك معبداً وحيداً حقيقياً على هذه الأرض، هو جسد الإنسان يجب معرفة طقوسَ هذا المعبد وفلسفته، أرضه وكواليسه وأسراره، جنونه وفجوره وهلوساته، حقائقه وأقنعته وأكاذيبه، صوره وظلاله وتجلياته، الجميلة منها والبشعة، الملموسة والمجرّدة، الحسيّة والروحانية على السواء، في تصميمٍ مثقّفٍ ورصينٍ وعارف وعنيد على كسر أغلال المحرمات - توقاًً إلى أعلى سماءٍ للحرية بستحقها يد كل كاتب وعالم وفنان في هذه الحياة.

الإيروتيكية قتلت الوحش .. بقلم / محمد الرايق



الإيروتيكية قتلت الوحش La Bête 1975

 

فيلم إيروتيكي فرنسي من إنتاج عام 1975، من إخراج البولندي فاليريان بوروسزيك وبطولة سيربا لين، ليزبيث هامل ومارسيل داليو.

طوال الفيلم نجد النساء يحاولن الوصول إلى الشبقية بطرق مختلفة: ابنة صاحب القصر تمارس الجنس مع الخادم الأسود. وعندما ينصرف الخادم لتلبية نداء سيده تحتك بخشب السرير لإثارة نفسها (ويبدو عليها السأم من غياب الخادم). البطلة تحاول إثارة نفسها عدة مرات، تحاول إيقاظ زوجها المستقبلي وهي عارية لكنه يصدها وهو نائم. تصبح في غاية الضجر، لكن هوس الشبقية يتملكها ولا تستطيع امتلاك نفسها. أما الإشارة الكبرى فهي في مشهد الفتاة والوحش، عند هربها منه ثم وقوعها في قبضته. في البداية تشعر أنه سيلتهمها، وحتى عندما يبدأ في مضاجعتها تصرخ من الألم ويكون موقفها الرفض. لكن عندما يتحول هذا الألم إلى شهوة، تبدأ بالاستمتاع، حتى تقع في غواية هذا الوحش القبيح، لكنه ذو طاقة جنسية هائلة. هذا ما أرادته، وما حصلت عليه، حتى أغوت الوحش، وساعدته في الحصول على ما يريد. لا يذكر الفيلم أي إشارة إلى شهوة أي رجل (أصحاب الظهور الأكثر في الفيلم). وربما تكون هذه الاستمرارية في التشهّي (الأطول عند النساء) هي الخط الرابط للفيلم.

تلك الشخصيات النسائية الثلاثة والفاتنات (من أصل أربعة ظهرن في الفيلم، الرابعة متقدمة في السن وهي عمّة البطلة)، قد يكون هوسهن الشبقيّ متعلق بطبيعة المكان. حيث يجعل المخرج الأحداث مرتبطة برابط خفي، كأن هذه الأدغال وهذا القصر هو سبب انفجار الشهوة هذه.

يُصنف الفيلم على أنه فيلم "رعب". في الواقع، وبالرغم من وجود بعض أجواء أفلام الرعب - الرعب النفسي خاصةً - ووجود الوحش الاستثنائي ذو القضيب الضخم، إلا أن جماليات الفيلم تعزل هذه العناصر بعيدًا حتى يصبح الرعب مجرد هزل. وأن الجو الهادئ في الفيلم هو جو النشوة السارية بين الشخصيات النسائية في الفيلم، والتي تتلقفها الواحدة تلو الأخرى. يقول بوروسزيك أن "الجماليات في الفيلم قتلت الوحش".

يعتمد بوروسزيك قبل كل شيء على فنية المشاهد، وثانيًا على شخصياته، فكل شخصية في الفيلم لها وقتها الخاص. هذا فيلم إيروتيكي، لكنه ليس قائمًا على الإيروتيكية، بل هو قائم على فكرة غريبة نوعًا ما، الفكرة المرعبة في الفيلم، فكرة تزاوج الحيوانات (أو الوحوش) والبشر. وارتباطها بتلك العائلة العريقة والغريبة. وبإظهار المخرج لشخصياته، خرج لنا تصور آسر عن تلك العائلة، بشخصياتها، بالمكان، بالإضافة إلى التصور غير الواضح عن الشعور الشبقي الساري في الفيلم، ويخدم هذا كله المشاهد الإيروتيكية في الفيلم، ليخرج عملاً إيروتيكيًا ذو خط سير أحداث ممتع وبمشاهد فنيّة وبلا أي ابتذال مُعتاد في هذا النوع من الأعمال.
جسد الإنسان يجب معرفة طقوسه
وفلسفته أرضه وكواليسه وأسراره
الجسد هو الحياة نفسها، بكل تجلياتها
الجسد هو المسافة الفاصلة بين الحياة و الموت