ينطلق فى محراب جسد
من أن هناك معبداً وحيداً حقيقياً على هذه الأرض، هو جسد الإنسان يجب معرفة طقوسَ هذا المعبد وفلسفته، أرضه وكواليسه وأسراره، جنونه وفجوره وهلوساته، حقائقه وأقنعته وأكاذيبه، صوره وظلاله وتجلياته، الجميلة منها والبشعة، الملموسة والمجرّدة، الحسيّة والروحانية على السواء، في تصميمٍ مثقّفٍ ورصينٍ وعارف وعنيد على كسر أغلال المحرمات - توقاًً إلى أعلى سماءٍ للحرية بستحقها يد كل كاتب وعالم وفنان في هذه الحياة.

ان أثيرك جنسيا ولكن بطريقة فنية .. بقلم / محمد الرايق

الفن العاري هو الفن الذي يتناول موضوع الجسد بشكل خاص ، سواء أكان تصوير فوتوجرافي أو سينمائي أو من خلال النحت أو الرسم أو وسيط آخر .

كتصوير فوتوجرافي مثلا نجد ثلاثة مصطلحات :
  •     nude photography
  •     Erotic photography
  •     pornography
دون الخوض في تفاصيل من المفترض أن تكون ثلاثة مستويات مختلفة من الفن ، الأول يتناول الجسد البشري من الناحية الجمالية والشعورية (الفنية بشكل عام) والثاني يهدف عمدا للإثارة ولكنه لا يغفل الجانب الشعوري والثالث “بورنو او خلاعي إن صح التعبير
ما يهمني هنا هو الفن العاري بكل انواعة كما أعترف أنا به كفن ، والفن بالنسبة لي ليس مجرد وسيلة لنقل الشعور أو المعنى فقط ، بل يجب علينا النظر في طبيعة هذا الشعور وفي محتوى هذا المعنى .
ولازلت أعرض وجهة نظري الشخصية : فإن الفن هو وسيلة لنقل شعور يسمو بالجانب الروحي للإنسان .. لتبسيط ذلك أذكر أغنية محمد عبد الوهاب  ” عشق الروح مالوش آخر لكن عشق الجسد فاني”
أن أثيرك جنسيا ولكن بطريقة فنية فهو أمر أفعواني معقد وشائك للغاية .. فما هو الأساس هنا ؟ الفن أم الإثارة ؟ هل تصنع عملا مثيرا بطريقة فنية ؟ أم عملا فنيا بطريقة مثيرة ؟! في النهاية سواء هذا أو ذاك فأنت تقدم عملا مثيرا “أيروتيك” أو جنسيا بحتا “بورنو” وفي الحالتين لا  يتعارض هذا مع مبدأ “السمو بالجانب الروحي”
إذن نأتي للفن العاري كفن ، أو الذي أراه فنا . صورة أو لوحة فنية تتناول موضوع الجسد من وجهة نظر فنية بحتة ، لا تهدف للإثارة ولا تهدف لمداعبة غرائزك الحيوانية “أي التي يشترك فيها الانسان والحيوان باعتبارهم من مملكة واحدة كتصنيف بيلوجي ” ، الجنس عند البشر له جانب انساني بالطبع ولكن حاول أن تفصل بينهما إن استطعت عندما تقدم على عملا ” فنيا” يتناول هذا الموضوع .
هنا نجد أنفسنا أمام معضلة كبيرة بالفعل .. كيف لي أن أقدم عملا فنيا عاريا ولا يتم تصنيفه من قبل المجتمع على أنه مثيرا “ايروتيك” أو خلاعيا “بورنو” ؟
هذا نسبي ويتوقف على ثقافة المجتمع الموجه له هذا العمل الفني .
الشعوب العربية (ودعونا نعترف بهذه الحقيقة) في أغلبها لن ترى من اللوحة سوي أثداء ومؤخرات وأعضاء تناسلية ! هذا هو الملخص على الطريقة العربية . من الصعب علينا التفريق بين الفن العاري والإيروسي والبورنو كله عند العرب صابون كما يقولون .
سبق لي أن عرضت لوحة مثل الموجودة بهذا المقال ومعظم المعلقين اعتبروها “صورة سكس” رغم أنها ليست كذلك أبدا . يمكنني اعتبارها كذلك بالنسبة لطفل مراهق من 50 سنة مثلا .. أما بالنسبة لشخص ناضج يعيش في هذا العصر أعتقد أنه من المفترض ان يكون لديه من النضوج أن  يعي الفرق بين هذه اللوحة وبين “الصورة السكس”
ولكن في النهاية الغالبية العظمى لن تدرك الفارق . وسترى أي لوحة عارية مجرد صورة من مجلة أجنبية كانت تباع على الأرصفة بعشرات الجنيهات قبل اختراع الإنترنت .
إذن لا داعي “لوجع الدماغ” وفي نفس الوقت لا بأس أيضا من محاولة تغيير ثقافة المجتمع شيئا فشيئا بالرغم من أنه لا توجد بوادر لأي تغيير (بل على العكس للأسف) .
هنا ليس من المفترض أن يكون الفن العاري قاصرا على الدراسة فى كليات الفنون ،
ولكن هذا أيضا أصابه ما أصاب المجتمع كله  (تغطية التماثيل ومنع الموديل العاري) ، المشكلة هنا أنه من الحتمي أن تجيد رسم الموديل العاري كدارس للفن وإلا فأنت تخدع نفسك . لن يمكنك الفرار من هذا ، لذا فإن كان ذلك يتعارض مع أفكارك فلا تدرس هذا المجال ولكن أن تصر على دراسة الرسم وترفض تعلم رسم الجسد فهذا مالا أفهمه في الحقيقة !
في دراسة الطب أنت مجبر على دراسة التشريح .. لا مجال للهرب من ذلك .. وأنت مجبر على التعامل مع عراة نساءا ورجالا .. ولا أعتقد أن الطبيب “وليس الشخص العادي” سينظر لجسد المرأة الميتة بشكل جنسي إلا لو كان مختلا عقليا أو مضطربا نفسيا.
 من خلال دراسة مثلا طب الأسنان تجدت نفسك تتعامل مع المرضى كأفواه .. سواء رجل أو امرأة الاثنين بالنسبة ليك مجرد أفواه ،
دراسة رسم الجسد ربما تعتبروه خلاعة وإباحية ولكنه خارج المرسم وبعيدا عن طاولة الرسم لا وجود له أيضا.
الرسم العاري كدراسة ليس انحلالا وليس فسقا أو فجورا.
الرسم العاري كفن إبداعي يتوقف على طبيعة المجتمع ويجب أن يتوافق معه أو “حاول إن استطعت تغيير ثقافة مجتمع بحيث يمكنه التفريق بين الفن والصور السكس” ، حتى تنجح في ذلك أعتقد أنه لابد من مخاطبة المجتمع بلغة يفهمها بشكل سليم ومن ثم الإرتقاء به شيئا فشيئا . أما “الصدمة” فإن تأثيرها لن يقع إلا عليك أنت نفسك وأنت تحاول “صدم” المجتمع .
جسد الإنسان يجب معرفة طقوسه
وفلسفته أرضه وكواليسه وأسراره
الجسد هو الحياة نفسها، بكل تجلياتها
الجسد هو المسافة الفاصلة بين الحياة و الموت