ينطلق فى محراب جسد
من أن هناك معبداً وحيداً حقيقياً على هذه الأرض، هو جسد الإنسان يجب معرفة طقوسَ هذا المعبد وفلسفته، أرضه وكواليسه وأسراره، جنونه وفجوره وهلوساته، حقائقه وأقنعته وأكاذيبه، صوره وظلاله وتجلياته، الجميلة منها والبشعة، الملموسة والمجرّدة، الحسيّة والروحانية على السواء، في تصميمٍ مثقّفٍ ورصينٍ وعارف وعنيد على كسر أغلال المحرمات - توقاًً إلى أعلى سماءٍ للحرية بستحقها يد كل كاتب وعالم وفنان في هذه الحياة.

مولــد فيـنــوس ... بقلم / فنان معاصر


مولــد فيـنــوس
Birth of Venus


للفنان الفرنسي الكسنـدر كابـانيــل
Alexandre Cabanel

ظلت أسطورة فينوس موضوعا مفضلا للعديد من الفنانين عبر العصور المتعاقبة.
ومن اشهر الأعمال التي صوّرت الأسطورة هذه اللوحة لـ الكسندر كابانيل والتي ُعرضت لاول مرّة في صالون باريس العام 1863 واهّلت الفنان لنيل الميدالية الذهبية.
في ذلك الوقت، لم يكن الجمهور الفرنسي قد صحا بعد من الصدمة التي سبّبتها لوحة اوليمبيا لمانيه، بنظراتها الجريئة وجسدها المكشوف.
لكن رغم ذلك، فقد اعتُبرت فينوس كابانيل مثالا للايروتيكية المقبولة. فهي، مقارنةً بلوحة مانيه، مثالية إلى حدّ ما وخالية من العيوب ومن شعر الجسد، كما أنها تبدو لا مبالية جنسيا وبلا شخصية إلى حد كبير.
هذا القدر المحسوب من الحسّية التي ضمّنها كابانيل لوحته، وكذلك البعد التاريخي والأسطوري للقصّة، كانا عاملين اسهما في تقريب اللوحة من الطبقات الاجتماعية العليا.
ومن الواضح أن كابانيل التزم بالعناصر التفصيلية الرئيسية لفينوس كما وردت في الأسطورة، فالآلهة تبدو متمدّدة على موج البحر الذي ُيفترض أنها ولدت منه. وفوقها تحوم كوكبة من ملائكة الحب "كيوبيد". وهي تفصح عن سحرها ومفاتنها، ولكن حسب قواعد العرف الايروتيكي السائد حينئذ.
دخل كابانيل صالون باريس وعمره لا يتجاوز العشرين، وبعد سنتين فاز بالمركز الثاني في جائزة روما ومكّنه ذلك من اخذ دروس إضافية في الفن الكلاسيكي.
وعندما عرض لوحته، كان الفنان قد حظي بشهرة واسعة وحصد العديد من الجوائز.
لوحة مولد فينوس تشكل مثالا ِحرَفيا ورائعا لأسلوب عصر النهضة والقرن التاسع عشر.
وقد بادر نابليون الثالث فور عرض اللوحة إلى شرائها وضمّها إلى مجموعته الشخصية. وفي نفس تلك السنة ُعيّن كابانيل أستاذا في مدرسة الفنون الجميلة في باريس، كما كلفه نابليون الثالث ولودفيغ الثاني ملك بافاريا برسم أعمال فنية لحسابهما.
رسم كابانيل مولد فينوس بعد عشر سنوات من إنجاز انغر للوحته المحظية الكبرى .
ورغم الاختلاف الواضح بين اللوحتين فإن العامل المشترك بينهما ربّما يكون تعمّد الفنانين إظهار الملامح الجمالية من خلال إطالة الأعضاء والعنق لابراز انسيابية الخطوط.
كان كابانيل خصما قويا للانطباعيين، وخاصة مانيه، وكان موقفه ذاك يتماهى مع موقف المؤسسة الأكاديمية التي كانت تعارض الاتجاهات التجديدية في الفن، رغم أن ذلك الموقف أدّى في النهاية إلى تقليص نفوذ المؤسسة وتهميش دورها.
أما الانطباعيون فكان كابانيل يمثل بالنسبة لهم رمزا للفن الأكاديمي الذي كانوا يحتقرونه ويتهمونه بالجمود والماضوية.
ورغم أن لكابانيل لوحات عديدة أخرى تعالج مفردات الحياة العامة والأحداث التاريخية، فإن الخبراء والنقاد ظلوا يتجاهلونها.
وإذا كان هناك اليوم من يتذكّر الكسندر كابانيل، فإن ذلك بسبب هذه اللوحة بالذات.

Alexandre Cabanel, Birth of Venus
جسد الإنسان يجب معرفة طقوسه
وفلسفته أرضه وكواليسه وأسراره
الجسد هو الحياة نفسها، بكل تجلياتها
الجسد هو المسافة الفاصلة بين الحياة و الموت