ينطلق فى محراب جسد
من أن هناك معبداً وحيداً حقيقياً على هذه الأرض، هو جسد الإنسان يجب معرفة طقوسَ هذا المعبد وفلسفته، أرضه وكواليسه وأسراره، جنونه وفجوره وهلوساته، حقائقه وأقنعته وأكاذيبه، صوره وظلاله وتجلياته، الجميلة منها والبشعة، الملموسة والمجرّدة، الحسيّة والروحانية على السواء، في تصميمٍ مثقّفٍ ورصينٍ وعارف وعنيد على كسر أغلال المحرمات - توقاًً إلى أعلى سماءٍ للحرية بستحقها يد كل كاتب وعالم وفنان في هذه الحياة.

كحول أول مرّة... حب التجربة وتأنيب الضمير: بقلم / ملاك فقيه




       


الخمر خط أحمر؟    
"
أول ما بلشت أترك الالتزام بتذكر قلت الخمر خط احمر. الصلاة مشي الحال وتركناها، بس خمر ما في"، يقول حسن. يسترجع الشاب إحساسه بالذنب في كل مرة كان ينظر فيها إلى زجاجة الخمر: "عندما كنت متديّناً، دخلت مرّة إلى المطبخ في دار النشر الذي كنتّ أعمل به، ووجدت زجاجة نبيذ، خفت ولم أجرؤ على الإمساك بها حتى".
مع ذلك وبعد "ابتعاده عن الدين" بدأت فكرة شرب الكحول تدور في رأس حسن، خاصة مع زوال عقدة الذنب التي ترافق الخروج من منظومة القيم تلك. لذلك باشر حسن بالبحث عن "فوائد الكحول" إلى أن اقتنع تدريجياً بالأمر. كانت المرة الأولى مع عددٍ من أصدقائه الذين سبقوه إلى التجربة. "طلبوا بيرة، فطلبت بيرة أنا أيضاً. كانت المرة الأولى وأعجبني الموضوع، لأنّ جلستها مؤنسة".
وهكذا، تكرّر الأمر نفسه مرات عدّة. يخرج حسن مع رفاقه ويطلب البيرة، إلى أن صار الموضوع عادياً بالنسبة إليه.
لاحقاً، بدأ حسن بشرب النبيذ، يقول: "جذبني وصف هوميروس في الأوديسة لكيفية شرب للنبيذ، وكذلك همنغواي في روايته وداعاً للسلاح. كان الكتابان السبب في بدء علاقتي بالنبيذ. بعد عشاءٍ مع كأس نبيذٍ في أحد المطاعم في الحمرا، بدأ الشراب يتحوّل بالنسبة لي إلى قصّة حب مشوّقة".

أفكار شيطانية
لم يخطر لوسام تجربة شرب الكحول إلا بسبب الفضول والحشرية التي ترافق كل شاب في عمر المراهقة. لم تأت من رغبةٍ بكسر شيء ما، أو كردّة فعلٍ على أمر معين. الآن يسعى الشاب طوال الوقت لنسيان ما حصل وعدم تذكّره، وذلك بسبب تأنيب الضمير لارتكابه المحرّم. يقول وسام: "كنا مجموعة شبان تسعى لتجريب كلّ شيء، دون أي وعي أو إدراك للمخاطر التي قد نتعرّض لها". يضيف: "لم نكن نسعى لكسر المحرمات أو الخروج من الدين، هذا الموضوع أصلاً، كان وما زال ضمن دائرة اللامفكر فيه.. لكنّ الأفكار الشيطانية كانت تراودنا بين الحين والآخر، وغالباً ما كنّا نستجيب لتلك الأفكار". راودت "الفكرة الشيطانية" خلال زيارته الجميزة مع صديقه لأوّل مرّة. وقف الاثنان مطوّلاً أمام إحدى الحانات. زجاجات الكحول المعروضة في الواجهة بطريقة مثيرة ولافتة، "إلى درجة يأبى معها أيّ شخصٍ مقاومة إغراءها"، حسب تعبير حسام، دفعته لإيجاد الأعذار والحجج لإقناع نفسه بالتجربة ومحاولة نسيان ما ينهى عنه الدين. يقول: "رحت أفكر: حسناً، أغلب الناس قد جرّبوا شرب الكحول. الجميع عدا المسلمين يشربون الكحول، ونصف المسلمين غير ملتزمين بالمحرمات أساساً ويشربون أيضاً. مَن لم يجرّب شرب الكحول إذاً؟ قلة من الناس. فلأجربها! ". دخل وسام الحانة واحتسى أول رشفة من كأس النبيذ الأحمر الذي طلبه، فدارت في رأسه الآية "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع...". ارتجفت يداه، وبصق ما كان في فمه. يقول حسام: "لم يكن طعمه لذيذاً كلونه، وهو يحرق المعدة! لعنت الوسواس الخنّاس وخرجت من الحانة!".

بنت وبتشرب؟!
لم يكن الأمر متعلّقاً بالدين أو بالخوف من منظومة المحرمات. كانت لين قد تجاوزت هذه الأمور منذ فترة ليست بقصيرة. لكنّ الخوف من النظرة الاجتماعية لفتاة خرجت من المنظومة الدينية بقي حاجزاً نفسيّاً متجذّراً في داخلها. تقول لين: "تركت التديّن بصمت. لم أرغب بإثارة الضجيج من حولي، خاصة أننا نعيش في مجتمع قادر وبسهولة على تدمير الإنسان الذي يجهر باختلافه معنوياً، فكيف إذا كان هذا الإنسان فتاةً؟ بدأت بالانقطاع عن الصلاة تدريجياً، تبعها الصوم، قبل أن تتبعها بقية الأمور باستثناء شرب الكحول".
عملت لين على استبدال الأصدقاء المحيطين بها، لأنّها لم تعد قادرةً على مرافقة الملتزمين دينياً لانعدام الاهتمامات المشتركة مع مرور الوقت، ولعدم قدرتها على إخفاء أفكارها والتكتّم على قناعاتها طوال الوقت. "كنت في أحد مطاعم الحمرا مع الأصدقاء، عندما أصر عليّ أحدهم بتذوق النبيذ. بدأ الخوف نفسه والأفكار نفسها تدور في رأسي: "فتاة تشرب الخمر؟ وماذا لو عرف أهلي وأقربائي بذلك؟ وماذا لو صار الأمر عادة، كما تجرأت سابقاً على اعتياد أمور لم أكن أفكر في تجاوزها؟". رفضت لين الأمر في البداية، فبدأ أصدقاؤها بالضحك من خوفها وتردّدها. قال لها صديقها هشام: "أوعى كباية النبيد تاكلك". عادت لين لتفكّر بالأمر، معلمة الدين كانت تقول لهم إنّ الأغاني حرام، وكذلك الأمر بالنسبة للكحول. سألت لين نفسها: "لماذا يهاب الإنسان إذاً المحرمات الدينية بشكل متفاوت؟ لماذا لا يعاقب مَن يستمع إلى الموسيقى بينما يعاقَب شارب الخمر. القصة قصة مجتمع!". تشجّعت الشابة، وشربت النبيذ لأوّل مرة. تقول: "في الحقيقة سحر النبيذ يكمن في أجواء أكثر من طعمه. لكنّ الأمر لم يكن سيئاً، كان أسهل ممّا تخيلت". تضيف ضاحكة: "ربما ما نقل عن لسان المسيح صحيح: قليل من الخمر يُحيي قلب الإنسان
".
جسد الإنسان يجب معرفة طقوسه
وفلسفته أرضه وكواليسه وأسراره
الجسد هو الحياة نفسها، بكل تجلياتها
الجسد هو المسافة الفاصلة بين الحياة و الموت