ينطلق فى محراب جسد
من أن هناك معبداً وحيداً حقيقياً على هذه الأرض، هو جسد الإنسان يجب معرفة طقوسَ هذا المعبد وفلسفته، أرضه وكواليسه وأسراره، جنونه وفجوره وهلوساته، حقائقه وأقنعته وأكاذيبه، صوره وظلاله وتجلياته، الجميلة منها والبشعة، الملموسة والمجرّدة، الحسيّة والروحانية على السواء، في تصميمٍ مثقّفٍ ورصينٍ وعارف وعنيد على كسر أغلال المحرمات - توقاًً إلى أعلى سماءٍ للحرية بستحقها يد كل كاتب وعالم وفنان في هذه الحياة.

الجمال و الحرام .. بقلم / انستازيا ستيل



للجمال قداسة لا ينكرها أحد، وكعبارة تشير الكلمة إلى الأشياء الحسية المتناسقة التى تسبب لناظرها متعة ولذة، أو يكون الجمال إشارة لمعان أخلاقية تتسم بالنبل والشفافية والمثالية.
وتختلف قيمة ومعايير الجمال بحسب الزمن والثقافة، لكن يظل لجمال “الجسد” الإنساني مرتبة خاصة حيث تسبب تداعيات ما بعد متعة النظر إلى الشغف والفتنة والغواية، وهي التداعيات التي لا تحدث لمجرد النظر للأشياء الجميلة المادية الأخرى، لهذا كان الجسد دائما محل الفوضى وسببا للنزاع والحرمان والعذاب منذ بدء الخليقة حينما أغوت حواء آدم فأكل من التفاحة وهبط الاثنان إلى الأرض محرومين من نعيم الفردوس.
لا يمكن أن تتخيل رجلا يرى امرأة ذات ثدي كاعب وخصر نحيل ومؤخرة مستديرة، دون أن يتسبب هذا بشكل أو آخر في وخز الإحساس الموازي للجمال، وإثارة الشعور بالرغبة، أو التأكيد على الجاذبية، حيث تولد بالإضافة إلى تكرار النظر رغبات أخرى لإشباع حسي مرتبط بالجسد أيضا.
ما سبق يمكن اعتباره مقدمة لكشف سر المحاكاة في الفنون التى تقدس الجسد، أو ما يطلق عليه “الإيروتيك” الذي بدأ رسما، وتطور لكتابات وشعرٍ يصف العري، ورقص التعري، وتصوير العري، والمنحوتات العارية أيضا، إضافة إلى أفلام البورنو، ومؤخرا فنون أخرى كالاحتجاج عن طريق التعري.
إن للجسد، الذي يعتبره بودريار “أجمل مواضيع استهلاكنا”، خطابا خاصا ينم عن دلالات كثيرة تهدف لتحقيق التواصل، فكل حركة من الجسد تكون مفعمة بحمولة دلالية وثقافية ما، ولقد ظل الجسد على مر العصور وفي كل المجتمعات الموضوع الأساسي لمختلف السلطات الدينية والسياسية والاجتماعية وكذا الثقافية، وجعلت الأديان الجسد ومسببات الشهوة موضع “العيب والحرام”، على الرغم من القيمة الحسية واللذة والمتعة التي لا تتسبب في أذى.
ويعتبر علماء الأنثروبولوجيا، أن الإنسان ولد عاريا من دون ملابس، واجتمعت الظروف والمسببات فاتخذ من جلود الحيوانات وبعض النباتات أغطية لجسمه، تقيه الحر والبرد والمطر.
وبتطور سبل العيش ومتطلبات الإنسان، صارت للملابس أغراض أخرى ترتبط بمفاهيم معينة، كالعبادة والسحر، وفي الفن التصويري، ونلاحظ التجريد في التصوير الفوتوغرافي حيث تجريد الجسد البشري من إنسانيته ليصبح كالجماد، مثله مثل الرسم والنحت، إذ يتم توظيف ملامح الجسد البشري من ناحية الخطوط والأشكال كعناصر أساسية لخدمة العمل.
ويفسر علم النفس “التعري” بأنه ظاهرة مرضية نفسية يجد فيها الإنسان لذته الجنسية، من خلال نزع الملابس عن الجسد والتأمل فيه أمام المرآة، أو إظهاره للناس، وتكثر بين المصابين بأمراض الذهان.

الأدب الجنسي “الإيروتيكي”
يرى النقاد أن الغرب أكثر تسامحا مع الجسد، لذا نجد هذا النوع من الأدب بكثرة لديهم باعتباره موضوعا إنسانيا، فيما ينكر مثقفو العرب وجود هذا الأدب ضمن الأدب العربي، بينما هو موجود منذ العصور القديمة، وقد كشف الأدب الإيروتيكي عن هوية الفكر بشرائعه وعاداته وتراثه، وبحكم العادات والتقاليد المستحدثة يرفض الناس كل ماهو جريء غاضين البصر عن نصوص أدبية شهيرة، مثل معلقة امرؤ القيس، التي لم تخل من الجرأة والجنس، إضافة إلى النصوص الأدبية التي احتوت على كثير من الجرأة والفحش، ويمكن أن نجد هذه في كتابات الجاحظ  “كتاب مفاخرة الغلمان”، وابن حزم، وفي روايات عديدة مثل “ألف ليلة و ليلة” و مؤلفات السيوطي “نواضر الأيك”، ويعتبر أبو نواس عميد الأدب الإيروتيكي العربي.
الفنون الجميلة العارية
إذا كانت الكلمة موحية وتعمل على تحفيز الخيال فإن للفن المجسم نظرة أخرى، ويعدّ الفن العاري من أقدم الفنون وربما يسبق التصوير الكتابة، وتشير التواريخ إلى أن العري بدأ من حضارات الشرق الأقصى ليصل ذروته من خلال الفن الغربي، خاصة في الفترة الهلينستية، أي قبل الميلاد، واستخدم مثل هذا الفن للتعبير عن المثل العليا وإبراز جمال الصفات البشرية، وانتشر بشكل خاص في الفن اليوناني القديم، وبعد فترة توقف طويلة عاد للظهور مرة أخرى في عصر الرينيسانس “النهضة” في أوروبا.
ووصف الفن العاري أجساد المحاربين والرياضيين والراقصين، وهو للتعبير عن مشاعر أساسية تعبر عن طاقة الإنسان وجماليات الخلق والإبداع.
تم العثور على تماثيل فينوس في وقت مبكر قبل التاريخ، وهناك صور تمثل آلهة الخصوبة والإلهات في الحضارة البابلية والفن المصري القديم وفي حضارات الهند واليابان.
قبل عصر التحليل النفسي الفرويدي ظهر الأطفال عراة في الأعمال الفنية الكلاسيكية، وكان يفترض أن الأطفال ليست لديهم مشاعر جنسية قبل سن البلوغ، لذلك تم عرض أطفال عراة كرموز البراءة النقية وظهر الأطفال العراة في لوحات جون سينجر سارجنت، جورج بيلوز، وغيرها.
وتجاهلت الدراسات الأكاديمية في الفنون تمثيل الرجال في الأعمال الفنية وهم عراة، وكان التركيز بشكل أساسي على الإناث بالرغم من أن ظهور الذكور في الفن الكلاسيكي وهم عراة مثّل جانبا مهما وأكثر عمقا للشهداء والمحاربين والآلهة.

سينما البورنو
استحدثت فنون إيروتيكية أخرى موضوعها الأساسي هو الجسد العاري أثناء ممارسته الجنسية لإثارة الغرائز، ومع ظهور المسرح والتمثيل وحتى السينما.
لكن بشكل عام، نجد إرهاصات السينما الإيروتيكية في بدايات الحضارة البشرية، ففي بعض بلدان شرق آسيا والهند ونيبال نقوش وآثار تصور أوضاعا إباحية كثيرة، حتى أن ممارسة الآلهة لأوضاع الجنس كان نوعا من العبادة وهو ما تثبته المعابد هناك.
ومؤخراً، انتشرت الإباحية بفضل تطور وسائل الإعلام، فصناعة المواد الإباحية متزايدة الإنتاج والاستهلاك، ساعد على نموها السريع التطور في صناعة التصوير وأجهزة العرض، ووسائل الاتصال.
في سبعينات القرن العشرين، انتشرت المجلات والأفلام الإباحية نتيجة الثورة الجنسية في الغرب، وفي الثمانينات مع اختراع الفيديو زادت هذه التجارة بصورة كبيرة، ومع بداية التسعينات ظهرت آلاف من المواقع الإباحية على الإنترنت وبدأت الكثير من الشركات فى بيع الأفلام الإباحية عبر الإنترنت.
الجسد يوحي بالجمال والفتنة، وكمؤثر، محفز، والآثار المترتبة على وجود الأجساد البشرية هي بالضرورة مثيرة لمشاعر الرغبة، وتقدير لقيمة الجمال حسيا ومعنويا، وإن كان لحظيا، بعيدة عن الأذى، لكن وضعتها القيود المجتمعية في نطاق “الحرام”.
جسد الإنسان يجب معرفة طقوسه
وفلسفته أرضه وكواليسه وأسراره
الجسد هو الحياة نفسها، بكل تجلياتها
الجسد هو المسافة الفاصلة بين الحياة و الموت