ينطلق فى محراب جسد
من أن هناك معبداً وحيداً حقيقياً على هذه الأرض، هو جسد الإنسان يجب معرفة طقوسَ هذا المعبد وفلسفته، أرضه وكواليسه وأسراره، جنونه وفجوره وهلوساته، حقائقه وأقنعته وأكاذيبه، صوره وظلاله وتجلياته، الجميلة منها والبشعة، الملموسة والمجرّدة، الحسيّة والروحانية على السواء، في تصميمٍ مثقّفٍ ورصينٍ وعارف وعنيد على كسر أغلال المحرمات - توقاًً إلى أعلى سماءٍ للحرية بستحقها يد كل كاتب وعالم وفنان في هذه الحياة.

أرض البورن الجزء الأول (التاريخ والتطور) : بقلم / احمد محمدى




في البدء كانت الأسطورة (المجتمع المتدين بطبعه)، في البدء كان المجتمع المصري الأسطوري مجتمعًا تحميه أفكار وعبارات تقوي الأسطورة وتبقيها حية، إحدى أهم هذه العبارات العبارة الشهيرة (مجتمع متدين بطبعه)، وهي العبارة التي أصبحت مثارًا للسخرية بعد ظهور التناقضات الفجة بين العبارة في الأعلى والواقع في الأسفل الذى يبدو مخالفـًا تمامًا لفحوى العبارة ومعناها
من أهم تلك التناقضات التي ظهرت على مدار السنين الأخيرة بعد انتشار استخدام الإنترنت هي الإحصائيات التي تشير إلى احتلال مصر، وكثير من الدول العربية مراكز متقدمة في البحث عن المواد الإباحية، وبرغم عدم ثقتي في معظم هذه الإحصائيات إلا أننا نلاحظ  الانتشار الواسع لمشاهدة المواد الإباحية في أوساط الشباب على الأقل، وأزعم أن المواد الإباحية أصبحت المصدر الرئيسي للمعرفة الجنسية، بجانب كونها مصدر وصول للمتعة في الأساس.
أما عن الأسباب التي أدت لوصول المجتمع الأسطوري إلى أن تصبح المواد الإباحية هي مصدره الأول للمعرفة الجنسية فهي تتعدى الرقابة المفروضة على موضوع الجنس في العموم، سواء أكانت الرقابة مفروضة من قبل الدولة أم من قبل المجتمع. لكن هذا المقال لا يهتم بمناقشة الأسباب إنما يصب الاهتمام على عالم المواد الإباحية على صناعة البورن(porn )، تاريخها، تطورها، سنمر سريعًا بمحطات التحول والتغير الأكثر تأثيرًا في الصناعة في محاولة لفهم هذا العالم بعيدًا عن الأحكام المسبقة، وسيكون هذا المقال بداية لمجموعة مقالات تلقي الضوء على هذا العالم وتأثيره علينا.

“الاكتشاف” من الإباحة والتداول إلى المنع والتجريم:


ظهرت على مر العصور آثار من الحضارات القديمة كالحضارة الرومانية، والإغريقية، والفرعونية، والفارسية، وحضارات بلاد الهند، والصين توضح تعامل هذه الحضارات مع الجنس والمواد الإباحية بأريحية كبيرة؛ فالجنس كان حاضرًا في النحت، والرسم، والكتب من رسمة بيريباس من بقايا مدينة بومبي الرومانية إلى اللوحات الإباحية من فن شولجا اليابانى، وكتب ككتاب الكوماسوترا الهندي توضح تفكير هذه الحضارات في الجنس والمواد الإباحية، لم يكن هذا كله واضحًا قبل الاكتشاف الكبير لبقايا مدينة بومبي.
حين اكتشفت بقايا المدينة التي تعود للعصر الروماني، ظهر بشكل واضح الفن الإباحي الرومانى، صور وتماثيل إباحية لم تكن مخبأة، بل كانت تزين بيوت المدينة الغابرة وطرقاتها. اكتشفت بقايا المدينة في العصر الفيكتوري الذي كانت أهم مبادئه الأخلاقية ضبط النفس، والعفة الجنسية. تحول الاكتشاف لسر مرة أخرى بعد إخفاء آثار المدينة ونقلها لمتحف سري بمدينة نابولي خوفـًا على العامة من الفساد الأخلاقي، لكن وبسرية تامة اطلع ودرس هذه الآثار أفراد من الطبقة العليا المثقفة، وبدأ البحث عن المزيد من الآثار التي ظلت تظهر من مكان لآخر ويظهر هذا الحدث الفرق في التعامل مع المواد الإباحية بين العصور القديمة، والعصور الوسطى، والحديثة، من الإباحة والتداول إلى المنع والتجريم.

الفن والاستغلال السياسي للإباحية:

مع ازدهار فن الرسم في منتصف القرن الخامس عشر، انطلق الفنانون في إبداع اللوحات الفنية التي احتوى بعضها على عري، وقد تباين استقبال العري في اللوحات الفنية بحسب الأخلاق السائدة ورؤية السلطة، فمن اللوحات من وصل حتى للكنيسة كلوحة الفنان مايكل أنجلو الحكم الأخير في كنيسة سيستينا في روما التى محت آثار العري منها بعد موته على ثلاث مراحل على مدى قرنين. جاءت القفزة الأولى مع اختراع الطباعة الذي ساهم في انتشار الكتب، والرسومات الإباحية بشكل واسع، البداية كانت مع فضيحة ريموندي وهو رسام إيطالي مشهور أصدر كتابًا يحتوي ستة عشر رسمة إباحية، سجن ريموندى ومنع كتابه الرموندي من قبل البابا كليمنت السابع، في التوقيت نفسه كان الرسام جوليو رومانو يرسم الرسومات نفسها في قصر لدوق إيطالي لم يتعرض رومانو لعقاب؛ يعتقد المؤرخون أنه لم يتعرض للعقاب لأنه لم يسع لترويج الرسومات للعامة. وظهر في المشهد الكاتب أرتينو بيترو ليعاين رسومات رومانو، ويصدر كتابًا يحمل الرسومات ومعها سوناتات إباحية من تأليفه، لتخرج النسخة الثانية من كتاب الرموندى ليكون أول كتاب تظهر فيه رسومات ونص إباحي معًا.
ذروة انتشار الكتب الإباحية جاءت في القرن السابع عشر ليقود المفكرون الفرنسيون اتجاهًا جديدًا يستعمل الإباحية كأداة لهدم سلطة الكنيسة، والملك، ولأول مرة تظهر رسومات إباحية عن ملك فرنسا وزوجته؛ لويس السادس عشر وزوجته ماري أنطوانيت، بعد الثورة الفرنسية ظهرت كتابات ماركيز دوساد الذي اشتقت كلمة السادية من اسمه، كتب ماركيز معظم كتاباته من داخل السجن وأشهرها جوستين، وأيام سدوم المائة والعشرون، التي تحتوي على طرق شتى من التعذيب الجنسي؛ لتظهر بعد ذلك رواية فاني هيل لكاتبها الإنجليزي جون كليلاند  تعرضت الرواية للمنع والحظر فترات طويلة تثير التساؤل والتعجب؛ حيث ظلت محظورة في الولايات المتحدة الأمريكية من عام 1748 حتى عام 1963 وفي المملكة المتحدة من عام 1748 حتى عام1970.

الاستغلال التجاري ومعارك الحرية:

في عام 1839 قدم لويس داجير أول صورة فوتوغرافية عارية للأكاديمية الفرنسية للعلوم، وقد كان الهدف من تصوير الأجسام العارية في بداية الأمر هو دراستها دراسة علمية من قبل الرسامين، وحينها فرضت الحكومة الفرنسية قرارًا بتسجيل الصور لديها ليصبح بيعها قانونيًا. سرعان ما تم استغلال الصور العارية استغلالاً تجاريًا وبيعها للعامة، تطور الأمر وظهرت فترة البطاقات البريدية الفرنسية، وهى كروت صغيرة تشبة كروت البريد تحمل صور نساء عاريات تباع لأغراض جنسية.
أثناء الحرب العالمية الثانية انتشرت الصور المطبوعة بين الجنود خصوصًا مجندي الولايات المتحدة الأمريكية، تعرف هذه الصور باسم فتيات الجدار(pinup)، في الأبعينيات كان تركيز هذه الصور على سيقان النساء كرمز للإثارة الجنسية، تغير الوضع مع بداية الخمسينيات ليتحول صدر النساء لرمز الإثارة الجنسية، ومن أشهر العارضات مارلين مونرو وبيتى جرابل.
عام 1945 تظهر مجلة اللياقة البدنية المصورة(physique pictorial) التي اعتبرت أول مجلة إباحية مثلية للرجال، عرضت المجلة صور لرجال رياضيين ولاعبي المصارعة، في عام 1953 أصدر هيو هيفنر أول عدد من مجلة بلاي بوي (Playboy)- بعد أن حصل على بعض الأموال من مستثمرين منهم أمه، أحدثت المجلة ضجة ضخمة وأسست لما يقول عنه البعض عصر البورن الحقيقي، في عام 1965 ظهرت مجلة بينت هوس (Penthouse)  في المملكة المتحدة لتحدث طفرة في طرح الموضوعات والصور المنشورة، وفي عام 1970 تظهر مجلة هسلرHustler) )بصور ملونة، ولتكمل رحلة كسر قيود النشر التي بدأتها سابقتها وتدخل في معارك قضائية ضخمة بسبب محتوى المجلة في بعض الأحيان، وبسبب استخدام المجلة للهجوم على شخصيات دينية وسياسية في أحيان أخرى، وترجع أهمية الثلاث مجلات بلاي بوي، وبينت هوس، وهسلر، إلى أنهما أسسا مبدأ أن صناعة البورن تندرج تحت حرية الرأي والتعبير، وساعد هذا المبدأ صناع البورن في مواجهة الضغوط من الدولة والمجتمع، لتبقى الثلاث مجلات الأكثر انتشارًا والتوزيع في عالم مجلات البورن.

  البورن شيك (العصر الجميل):

مع ظهور الصورة المتحركة ظهر أول فيلم إباحي فيلم فرنسى وقت النوم للعروس (Le Coucher de la Mariee(  عام 1896. معظم افلام تلك الفترة كانت تحتوي على مشاهد عري دون ظهور أي فعل جنسي، مع بداية القرن العشرين ظهرت نوعية جديدة من الأفلام أفلام ستا Stag film)): هي مجموعة أفلام صامتة قصيرة تتراوح مدتها من دقيقة إلى 12 دقيقة تحتوي على مشاهد جنسية صريحة يتبادلها صانعوها فيما بينهم في السر.
كانت الأفلام الإباحية مجرمة ويعاقب من يصنعها أو يشترك فيها حتى عام 1969، عندما شرعنة الدنمارك المواد الإباحية، وفي العام نفسه هولندا، ثم تبعتهم السويد، ازدهرت صناعة الأفلام الإباحية بالتزامن مع الثورة الجنسية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا صدر فيلم مونا mona)) عام 1971وفي العام نفسه بدأ أول مهرجان للأفلام الإباحية في مدينة أمستردام هولندا مهرجان ويت دريم (Wet Dreams Film Festival)، لتبدأ فترة عصر الإباحية الذهبي أو بورنو شيك”porno chic” . تتميز أفلام هذا العصر بأنها أفلام سينمائية لها سيناريو وإخراج وإنتاج، الفيلم يتكون من بداية وسط ونهاية، يعرض في دور عرض سينمائية أفلام كفيلم مونا mona- الحلق العميق ((Deep Throat  – الشيطان في الآنسة جونز (the devil in miss jones) – خلف الباب الأخضر(Behind the Green Door) – الفتيان في الرمال (Boys in the Sand)  وهو فيلم ذو محتوى مثلي كله.
ما بين عام1971 إلى عام1973 حققت أرباحًا مادية ضخمة أهمها فيلم الحلق العميق الذي أحدث ضجة ضخمة بعد عرضه محققـًا نجاحًا مبهرًا في صالات العرض بالرغم من تعرضه للمنع. ولأول مرة تصبح الأفلام الإباحية شعبية، تناقش، ويكتب عنها مقالات، وتتعرض للنقد الفنى. أسست هذه الأفلام لما يعرف في صناعة البورن باللقطة المال هي لقطة الذروة في الفيلم غالبًا ما ترتبط بوصول الممثل للنشوة الجنسية، انتهت فترة البورن شيك سريعًا، لحق بها بعض الأفلام التي كانت تتميز بالإنتاج الضخم أفلام كفيلم اختراق( (penetration1974 الذي عرض في مهرجان كان السينمائي، وفيلم شعور قوي ( (sensations1975، أخرجهما واحد من رواد صناعة الأفلام الإباحية لاسى برون، ثم تبعهما فيلمان افتتاح بيتهوفن الضبابي(The Opening of Misty Beethoven)   وأليس في بلاد العجائب كوميديا موسيقية للكبار(Alice in Wonderland: An X-Rated Musical Comedy)
مرة أخرى تدخل التكنولوجيا لتغيير وجه صناعة البورن، مع دخول الفيديو الأسواق في أواخر السبعينيات بدأ التحول من أفلام السينما إلى شرائط الفيديو. لم يكن الانتقال سهلاً، إلا أنه حدث سريعًا مع تطور أنواع الكاميرات وزيادة جودة الأفلام، تضاعف إنتاج الأفلام وبدأت تظهر شركات الإنتاج واحدة تلو الأخرى، تجمعت معظمها في الولايات المتحدة الأمريكية في وادي سان فرناندو، وادي البورن كما يطلق عليه في مدينة لوس أنجلوس، أما مركز الصناعة في أوربا فتركز في مدينة بودابست بالمجر. مع انتشار كاميرات الفيديو الصغيرة لم يعد الإنتاج حكراً على الشركات الكبيرة، ولأول مرة يتحول المستهلك لمنتج، فظهرت نوعية جديدة من الأفلام، أفلام الصنع المنزلي وهي أفلام يصنعها الهواة، تحول بعضهم إلى محترفين لهم شركات ضخمة. مع هذه الموجة الكبيرة من الإنتاج، استطاع صناع تحطيم خطوط حمراء جديدة فدخلت أنواع وأشكال ممارسة جنسية جديدة كان ممنوع تصويرها قبل هذه الفترة (كالجانج بانج)  :Gang bangوهو فعل جنسي يجامع فيه عدة رجال تجاوزعددهم الثالثة امرأة واحدة أو العكس. تطورت الصناعة وبدأت الأنواع والتقسيمات الإباحية تتوسع لتدخل الصناعة عصرًا جديدًا.

عصر جديد عالم الإنترنت عقبات البداية والانتشار العالمي:

واجهت صناعة البورن عقبة أساسية لدخول هذا العالم الجديد، هي أن التعامل مع أجهزة الكومبيوتر في البدء كان عن طريق النصوص الكتابية، قبل ظهور (الفارة) (الماوس)، والعقبة الثانية بطء سرعة الإنترنت التي سرعان ما تم تخطيها، في تلك المرحلة بدأ تطوير صناعة البورن على الإنترنت التي كانت تعتمد بالأساس على تحميل الصور الإباحية من المجلات إلى الإنترنت، وتحصيل الأموال ببطاقات الائتمان البنكية عن طريق الهاتف، وتطورت طرق التحميل وطريق الدفع للحصول على المواد الإباحية، وظهرت طرق تسويق جديدة مثل الرسائل الإعلانية المجانية (صور إباحية) التي ترسلها الشركات على البريد الإلكتروني لجذب المستهلكين.
تطور الأمر بعد فترة لتدخل الفيديوهات لعالم الإنترنت، ويتغير عالم الإنترنت من جديد وتظهر المواقع الإباحية الضخمة منها المجاني ومنها ذو المقابل المادي، تدخل التقنيات الجديدة لتحسين صورة الأفلام بتدريج لتصل إلى 3d.
وبالتوازي دخل على الصناعة أيضًا ابتكار جديد وهو “الويب كام” استغل العاملون في الصناعة هذا التطور فأصبح بإمكان أي شخص يحمل بطاقة ائتمان بنكية أن يحصل على علاقة جنسية مباشرة من خلال الإنترنت، كما حدث مع الفيديو، أدى التطور الصناعي إلى تطور في محتوى الأفلام الإباحية؛ فقد ظهر أنواع ممارسات جديدة أوصلت صانعيها في بعض الأحيان للدخول في معارك قانونية لما تحتويه هذه الأفلام من عنف في الممارسة الجنسية، أو ظهور أطفال في بعض الأفلام أو الصور الجنسية. انتشرت المواقع الإباحية بشكل كبير لدرجة أن هناك مواقع ومجلات متخصصة في وضع جنسي واحد.
الممثل جاك بلاك يعدد أسماء مواقع إباحية على الإنترنت فى مشهد من فيلم  sex tap 2014
استطاعت صناعة البورن على مدار هذه السنين أن تتطور وتتوسع بالرغم من المنع والتقييد الذي واجهته، تقدر بعض الإحصاءات صناعة البورن بملايين الدولارات؛ صناعة يدخل في إنتاجها قنوات إعلامية وشركات كبرى، صناعة لها أكثر من مليون موقع على الإنترنت وفق بعض التقديرات، صناعة لها مؤيدون ومعارضون كل منهم يحاول تحقيق هدفه سنحاول الاطلاع على آرائهم في المقال القادم.
جسد الإنسان يجب معرفة طقوسه
وفلسفته أرضه وكواليسه وأسراره
الجسد هو الحياة نفسها، بكل تجلياتها
الجسد هو المسافة الفاصلة بين الحياة و الموت